عدد سكان الأردن تضاعف في أقل من 20 سنة
2024-05-04
شارك الأردن ممثلاً بالأمين العام للمجلس الأعلى للسكان الأستاذ الدكتور عيسى المصاروة في الدورة الـ 57 للجنة السكان والتنمية في الأمم المتحدة، والتي عقدت في مقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال الفترة (29 نيسان – 3 آيار 2024)، وتناولت موضوع “تقييم حالة تنفيذ برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية ومساهمته في متابعة واستعراض أجندة التنمية المستدامة 2030 خلال عقد العمل وتحقيق التنمية المستدامة”.
وقدم المصاروة خلال اجتماعات الدورة ورقة موقف الأردن حول موضوع الدورة، والتي أُعدت بشكل تشاركي مع الشركاء الوطنيين، مبيناً أن الأردن سعى خلال الثلاثين عاماً الماضية منذ انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية 1994 إلى مواءمة استراتيجياته وسياساته الإنمائية وبرامجه التنفيذية وتشريعاته على المستوى الوطني والقطاعي مع برنامج عمل المؤتمر وأهداف أجندة التنمية المستدامة وغاياتها، والتي تعكس التزام الأردن لضمان الشمولية اجتماعياً واقتصادياً، وسيواصل الالتزام بمبدأ عدم ترك أيّ أحد خلف الركب، بتنفيذ خطط مستقبلية تلبّي أولويات واحتياجات كافة الفئات السكانية استجابةً لمبادئ حقوق الإنسان.
وبين المصاروه أن المئوية الأولى للأردن شهدت تحولات ديموغرافية واقتصادية واجتماعية وسياسية في كافة المجالات، وترجمت هذه التطورات إلى تحسن ملموس في المجالات الصحية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وخدمات نوعية شاملة، وبالمقابل كانت هناك تغيرات ديموغرافية كبرى، إذ تضاعف عدد سكان الأردن في أقل من عشرين سنة، فارتفع عددهم بأكثر من 6 ملايين في آخر عقدين، ليتجاوز حالياً 11.6 مليون، ومن المرجح أن يصل عددهم إلى 12.5 مليون مع نهاية عام 2028، وحصل مثل هذا الارتفاع السريع في حجم السكان بسبب النزاعات في الاقليم وما نتج عنها من موجات لجوء قسري أدت إلى تدفّق أعداد كبيرة من اللاجئين، إذ يشكل غير الأردنيين أكثر من 31% من المجموع الكلي للسكان، ولا تزال أعداد اللاجئين مستمرة في النمو بسبب ارتفاع معدلات الزواج المبكر والإنجاب بينهم، لاسيما بين السوريين منهم.
وتضمنت الورقة موجزاً عن الجهود التنموية التي قام بها الأردن، إذ حرص الأردن على التنسيق بين الاستراتيجيات وبرامج القطاعات التنموية المختلفة بإدماج الديناميكيات السكانية في التخطيط التنموي من منظور الابعاد الديموغرافية بهدف تحقيق نمو مستدام وعادل، وتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وحقوق الصحة الإنجابية ضمن منظومة حقوق الإنسان، وتم تطوير استراتيجيات تعكــس بالكامــل الأبعاد المتعددة للتنميــة المستدامة، حيث أعد الإستراتيجية الوطنية للسكان للأعوام (2021-2030)، كما أطلق رؤيته للتحديث الاقتصادي (2022-2033) وبرنامجها التنفيذي للأعوام (2022-2025) والتي تتمحور حول شعار “مستقبل أفضل”.
وفي مجال القطاع الصحي، عكست المؤشرات الصحية العامة جودة وكفاءة الخدمات الصحية المقدمة، مما وضع الأردن في مرتبة متقدمة في هذا المجال، وفي مجال تعزبز خدمات الصحة الإنجابية والجنسية تم إعداد وبدء تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للصحة الإنجابية والجنسية للأعوام (2020-2030)، كما تم إنشاء نظام وطني للرصد والاستجابة لوفيات الأمهات، وتعزيز برامج الصحة الإنجابية الموجهة للشباب واليافعين، من خلال إنشاء عيادات صحية صديقة للشباب، وبدء العمل على تضمين مفاهيم الصحة الإنجابية ضمن المناهج الدراسية، وإنشاء منصات المعرفة الرقمية لضمان حصول الشباب واليافعين واليافعات على المعلومات الموثوقة المرتبطة بالتربية الجنسية وقضايا الصحة الإنجابية، ولكن توجد تحديات أمام تعزيز خدمات الصحة الإنجابية والجنسية، فرغم الانخفاض الذي حصل في الحاجة غير الملباة عند الزوجين لتنظيم الأسرة إلا أن إرتفاعاً قد حصل في استخدام الوسائل التقليدية لتنظيم الحمل والإنجاب، حيث بلغ 22%، إلى جانب ضعف الخدمــات المتاحة للمــرأة ذات الإعاقة.
وفي مجال الحد من زواج الفتيات ممن هن دون سن 18 سنة، أوضح المصاروه بأنه تم إعداد الخطة الوطنية للحد من هذا الزواج للأعوام (2022-2024)، وقد ساهمت مداخلات الخطة في خفض نسبة زواج من هم دون سن الثامنة عشرة من 14.6% في عام 2018 إلى 11.9% عام 2022 من إجمالي حالات الزواج لأول مرة، إلا أنها لا تزال مرتفعة بين فئة اللاجئين السوريين الذين ما زال زواج القاصرات أكثر شيوعاً بينهم، إذ بلغت نسبة زواجهن عام 2022 نحو 38% من إجمالي حالات الزواج لأول مرة.
وذكر المصاروة أن المجتمع الأردني مجتمعاً فتياً، حيث أن 40% من السكان في سن الطفولة دون سن 18 سنة، وأدى هذا التحدي الديموغرافي إلى ضغوط كبيرة على البنية التحتية والموارد الطبيعية والخدمات وخاصة قطاعي الصحة والتعليم، مشيراً إلى أن الأردن وضع النمو الاقتصادي الشامل للجميع والعمل اللائق كأحد أبرز أولوياته وتبنّى سياسات وبرامج ومشاريع من شأنها زيادة فرص التشغيل، وتعزيز منظومة التدريب المهني والتقني عالي الجودة وربطها باحتياجات السوق المحليّ والخارجي، وإنشاء مشاريع إنتاجية لخلق فرص العمل وخفض الفجوة التنموية بين المحافظات. وعلى الرغم من كل الجهود المبذولة، إلا أن معدلات البطالة لا تزال في أعلى مستوياتها حيث بلغت (20%) بين الأردنيين في عام 2023، إلا أن نحو 70% من المتعطلين هم من الذكور ونحو 60% منهم لا يحملون تعليماً ثانوياً، ويواجهون منافسة في سوق العمل من العمال اللاجئين.
وفي مجال كبار السن، أكد المصاروه على إيلاء الحكومة الأردنية اهتماماً كبيراً بفئة كبار السن في الفئة العمرية 65 سنة، اعترافاً بدورهم في أسرهم وفي تنمية مجتمعاتهم في بيئة آمنة وداعمة خالية من العنف والإفادة من كفاءاتهم وخبراتهم. ولتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبالغ نسبتهم (16%) بين السكان (5 سنوات فأكثر) وضمان مشاركتهم وإدماجهم في المجتمع، فأطلق الأردن سياسة لضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ونفذت العديد من البرامج الرامية إلى تعزيز إمكانية وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للخدمات العامة المختلفة وفرص العمل، وتهيئة المباني لتمكن وصول الأشخاص ذوي الإعاقة للمرافق العامة.
وفي مجال تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات، أشار إلى أن الأردن يوليها أهمية خاصة، وكان قد كرس على مدى السنوات السابقة جهداً كبيراً لسد فجوة النوع الاجتماعي في مختلف المجالات والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، ولكن تواجه الجهود الوطنية عدة تحديات أبرزها، إستمرار تدني المشاركة الاقتصادية للمرأة لتصل عند 14% رغم ارتفاع المستوى التعليمي للإناث، مما يتطلب إجراءات مستمرة لتوفير البيئة المناسبة داخل سوق العمل.
وبين المصاروه في مجال تعزيز جمع البيانات المصنفة وتحليلها والاستثمار في البحوث، والذي يعتبر ركيزة أساسية لدعم صنع السياسات القائمة على الأدلة في المجالات المتعلقة في برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية وأجندة أهداف التنمية المستدامة 2030، أنه تم بناء قاعدة بيانات أهداف التنمية المستدامة، وبما يتسق مع الإستراتيجية الوطنية لتطوير النظام الإحصائي والتي يجري العمل حالياً على تحديثها للأعوام (2024-2028)، كما يجري العمل على تعزيز السجلات الإدارية كمصدر أساسي للبيانات وتجويد البيانات، وبناء القدرات لبناء خطط الاستجابات الوطنية في أوقات الأزمات استناداً للخصائص السكانية، كما إعتمدت الحكومة استراتيجية شاملة لتطوير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والرقمنة لتحسين الخدمات وتحول الأردن إلى الإقتصاد الرقمي.
وأشار إلى التحديات المختلفة التي يواجهها الأردن والتي ساهمت في تباطؤ ملموس في بعض القطاعات وتراجع كبير في قطاعات أخرى، إذ تحمل الأردن تبعات اللجوء السوري في ضوء تراجع الدعم الدولي بشكل كبير من جهة وفي ضوء التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني من جهة أخرى، بالإضافة إلى التداعيات العالمية للأزمة الروسية الأوكرانية التي شكلت ضغوطاً إضافية ناجمة عن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغذاء وأسعار الفائدة عالمياً مما إنعكس سلباً على جهود التعافي، وجاءت الحرب على المواطنين الفلسطينيين في غزة وما نجم عنها من خسائر غير مسبوقة في الأرواح البشرية وخسائر اقتصادية لتلقي بظلالها على الأردن بإضافة تحديات جديدة، تمثلت في خسائر كبيرة لقطاع السياحة وارتفاع في كلفة الشحن البحري وامتد تأثيرها بسرعة إلى الظروف الاجتماعية.
وأوضح المصاروه أنه وبغض النظر عن هذه التحديات الكبيرة، ومع دخول الأزمة السورية عامها الثالث عشر يؤكد الأردن بأنه مستمر بتقديم خدماته للاجئين، كما يستمر الأردن بالتزامه بدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الأردن (الأونروا)، وضرورة إنهاء الحرب في غزة لإنقاذ حياة المدنيين في غزة، وتدارك إتجاه الدمار واليأس اللذين تلحقهما حرب غزة في المنطقة.
كما نوه بأن التغير المناخي يشكل تحدياً كبيرا نظراً لتداعياته على الأنظمة الحيوية والمصادر الطبيعية الوطنية، حيث عمل الأردن على تحديث وثيقة المساهمات المحددة وطنياً، والتي رفعت نسبة طموح انخفاض غازات الإحتباس الحراري من 14٪ إلى 31٪ بحلول عام 2030، والسياسة الحضرية الوطنية الأردنية 2022، التي تهدف إلى توسع حضري أكثر تحويلاً وإنتاجية وشمولية ومرونة على المدى الطويل، وتأخذ بالاعتبار ما يواجهه الأردن من تحديات مرتبطة بالتوزيع الجغرافي غير المتوازن للسكان، والذي يعتبر ضار بالبيئة والاقتصاد الريفي والأمن الغذائي ومكلف مالياً وإدارياً.
ودعا المصاروه إلى ضرورة استمرار دعم المجتمع الدولي للأردن للتعامل مع التحديات الناجمة عن الصراعات في المنطقة والتغير المناخي لتمكينه من الاستمرار في أداء دوره كعامل أمن واستقرار في الإقليم، وضمان عدم تخلف أحد عن ركب التنمية.
وعلى صعيد متصل، شارك المصاروه في اجتماع جانبي على هامش فعاليات الدورة تحت عنوان “استعراض العقبات القائمة والمستمرة لإعادة موضعة جدول أعمال المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في سياق الاتجاهات الكبرى والتحديات الجديدة في البلدان العربية”، والذي نظمته جامعة الدول العربية قطاع الشؤون الاجتماعية/ إدارة السياسات السكانية (الأمانة الفنية للمجلس العربي للسكان والتنمية) بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان (مكتب الدول العربية) ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا(الاسكوا).