أشكال للتنمر تتربص بطلبة المدارس
2022-07-06
رغم أن وزارة التربية والتعليم تؤكد أن التنمر”ليس ظاهرة وأنه تحت السيطرة”، إلا ان اشكالا ومستويات جديدة من العنف بدأت تظهر في المدارس، ولم تعد تقتصر على مدارس الذكور، بل أصبحت تمتد أيضا الى مدارس الإناث.
وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي قبل نحو اسبوعين حادثة تعرض طالبة في الصف العاشر، إلى نوع جديد من التنمر، حين قامت زميلات لها بـشد وثاقها، وإلقائها من على سطح المدرسة، فيما اعلنت مديرية الأمن العام أنها تحقق بشكوى قدمت لها بهذا الخصوص، وتحديدا عبر مديرية أحداث شرق عمان.
وفي السياق، أصدر الأمن العام بيانا حول الحادثة أكد فيه أن “فرع أحداث شرق العاصمة عمان، يحقق بشكوى تقدمت بها طالبة داخل إحدى المدارس، بتعرضها للاعتداء والتربيط من قبل طالبات أُخريات، للوقوف على ملابسات الحادثة واتخاذ الاجراءات القانونية حيالها، وحالة الطالبة الصحية حسنة وما زال التحقيق جارياً”.
بدوره، اكد مدير ادارة التعليم في وزارة التربية والتعليم الدكتور نبيل حناقطة ان “التنمر موجود لكنه لا يرتقي إلى مستوى الظاهرة في مدارسنا”.
وبين الحناقطة ان التنمر الموجود في المدارس هو “مجرد سلوك فردي وهو تحت السيطرة”، مشيرا الى ان الوزارة “لديها اداة مسح شهري للتنمر لجميع مدارس المملكة، وهي عبارة عن استبانة الكترونية يتم تعبئتها من قبل الطلبة بشكل فردي دون أي تدخل”.
وأوضح ان هذا المسح الشهري يمكّن مديرية الارشاد في الوزارة من وضع الخطط العلاجية والوقائية اللازمة للتعامل مع العنف او التنمر، مشيرا الى ان هذه الاحصائيات ليست للنشر والهدف منها توجيه البرامج اللازمة للمدارس ومديريات التربية والتعليم.
وقال إن هناك برنامجا تدريبيا متكاملا موجها لمديري المدارس والمرشدين التربويين والاهالي؛ للحد من العنف بأنواعه، وكذلك التنمر باشكاله المختلفة، اللفظي او الجسدي أو الجنسي او الإلكتروني.
وأضاف ان أي مخالفات او مشكلات سلوكية يرتكبها طلبة تطبق عليهم تعليمات الانضباط المدرسي، لافتا الى ان هذه التعليمات يجري تطبيقها من الصف السابع فما فوق، اما ما دون ذلك فيكون من خلال استخدام الأساليب الوقائية والعلاجية.
إلى ذلك، اعتبر مدير ادارة التخطيط والبحث التربوي في وزارة التربية والتعليم سابقا الدكتور محمد ابو غزلة، ان ما حدث مؤخرا من تنمر من قبل قلة من الطالبات بحق زميلتهن ما هو إلا “نتيجة طبيعة لما يحدث في المجتمع من تنمر، وهو كذلك نتيجة طبيعية لعوامل تتعلق بالخلل الذي أصاب منظومات المجتمع الإنسانية والتربوية والتعليمية والأخلاقية والدينية والاجتماعية، خاصة في ظل تراجع دور الأسرة وغياب تكافؤ الفرص، وغياب تطبيق التشريعات على الجميع، وارتفاع مستوى الفقر وانتشار البطالة والفساد، وسوء استخدام وتوظيف التكنولوجيا”.
ورأى ابو غزلة ان المؤسسة التعليمية الجامعية أو المدرسية هي المكان الأكثر تأثيرا في هذا السلوك، نظرا لطبيعة الخصائص العمرية فيها، وعمليات التفاعل بين الطلبة أنفسهم، وأعضاء الهيئات التدريسية والإدارية وغيرهم.
واكد ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم باصدار التشريعات للحد من هذ السلوك الذي يصدر عن الطلبة أو غيرهم بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كان التنمر لفظيا أو جسديًا أو نفسيًا أو الكترونيا أو غير ذلك، كما عليها أن تعمل على تطوير سياسات خاصة بذلك.
كما ينبغي تطوير المناهج، بحيث يتم تضمينها بعض المفاهيم والمهارات التي تعزز من السلوكات الإيجابية بين الطلبة، وتوعيتهم بخطورة سلوك التنمر وغيره من السلوكات السلبية، وعليها أن تعمل وتتابع توفير مناخ مدرسي آمن وإيجابي لكل أفراد المدرسة، وتكون بيئات التعلم فيها آمنة مستقرة للأطفال والطلبة في المراحل كافة.
وأشار الى اهمية ان تضع “التربية” خططا وبرامج تعزز السلوكات الإيجابية بين الطلبة، وتعمل على زيادة العلاقات الإيجابية بينهم، من خلال النشاطات المتعددة االتي من الممكن أن يقوموا بممارستها، خاصة الأنشطة الاجتماعية والفنية والرياضية التي تناسب اهتماماتهم؛ لأن ذلك قد يزيد الثقة بالنفس لديهم، ومن تقدير الذات والمهارات الاجتماعية، ويساعد في تكوين صداقات جيدة مع الأقران تنمي بينهم مشاعر المحبة والصداقة والاحترام.
وعليها ايضا، بحسب ابوغزلة، أن تطور خططا للتواصل والتفاعل المباشر بين الأسرة والمدرسة؛ للتأكد من ان الطفل يعيش في بيئة منزلية ومدرسية آمنة ووضع آليات متابعة سلوكات الأبناء في البيت والمدرسة والشارع، وملاحظات أي تغيرات تظهر عليهم والحوار معهم بأساليب تربوية تعتمد الحجة والإقناع وتقديم نماذج إيجابية من هذه العلاقات.
واكد ضرورة التعاون بين الاسرة والمدرسة لفهم أسباب هذا السلوك؛ لأن بعض الطلاب لديهم مشاكل في ثقتهم بأنفسهم، أو لأنهم حرموا من العطف والمعاملة الحسنة، فلا يجيدون التعامل بتعاطف مع الآخرين، ويتصرفون بطريقة عدوانية، أو يريدون أن ينظر إليهم على أنهم أقوياء بما يكفي لإيذاء الآخرين، وقد يعود ذلك لتعرضهم للإساءة والإهمال في المنزل، فيجدون في التنمر متنفسًا لغضبهم وإحباطهم، وغالبًا ما يشعرون بالاكتئاب والوحدة، ويستهدفون الطلاب الضعفاء في المدرسة.
وشدد على ضرورة أن تراقب الإدارة المدرسية والمعلمون والمرشد الاجتماعي والأسرة هذا السلوك، واتخاذ خطوات مهمة لمكافحته من قبل المدرسة، من خلال تصميم برامج إرشادية ودعم نفسي، وتدريب المعلمين والطلبة وحتى الأهالي على كيفية التعامل مع الطلبة الذي يتعرضون لهذا السلوك، وكيفية التغلب على هذا السلوك ومواجهته، وعلى المدرسة أيضا تطبيق التعليمات المتعلقة بإجراءات عقابية محددة وواضحة ضد المتنمرين تتناسب والسلوك الممارس.
واشار الى ضرورة تفعيل دور المرشد التربوي في المدرسة، ودور اللجان المدرسية لمناقشة مشكلة التنمر وكيفية مقاومتها والتغلب عليها، ووضع الخطط الكفيلة بعدم حدوثها، فضلا عن استخدام نظم حوافز تشجع السلوكات الإيجابية بين الطلبة.
ويعرف التنمر بانه “سلوك عدائي متكرر من قبل المعتدي او اكثر على الطالب الضحية”، نظرا للتفاوت في منظور القوة بينهما، حيث يشعر الضحية بالعجز والضعف، بحسب مستشار الطب الشرعي، الخبير في مواجهة العنف ضد الأطفال لدى مؤسسات الأمم المتحدة الدكتور هاني جهشان.
وبين جهشان ان التنمر يشمل الضرب والركل وتحطيم ملحقات الطالب، والعنف اللفظي، والاستهزاء والتوبيخ والسخرية والاذلال والتحقير، إضافة إلى نشر الشائعات والنبذ من مجموعات الاصدقاء.
واوضح أن التنمر قد يكون الكترونيا ايضا، عبر نشر رسائل الكترونية وصور ومقاطع فيديو في الشبكة العنكبوتية (الانترنت) او الهواتف الخليوية، تهدف الى مضايقة الطالب وتشويه سمعته، وتهديده بارسالها له مباشرة او لأصدقائة في المدرسة.
وأشار الى ان العنف المدرسي ضد الطالب يشمل الاعتداء الجسدي على جسم الطالب الضحية، او التهديد به، والعنف النفسي ويشمل الاساءة اللفظية والنبذ والإهمال، واخيرا العنف الجنسي، ويشمل التحرش بالمس او بالكلام.
وقال جهشان ان العوامل الأساسية لشيوع العنف والتنمر في المدرسة تتمثل بغياب تشريعات واضحة تتعامل مع الوقاية والاستجابة للعنف المدرسي، وضعف البرامج المتعلقة بزيادة الوعي لمبدأ اللاعنف للطلبة والمعلمين والاهالي.
كما تشمل، بحسبه، عدم تطبيق تعليمات الانضباط المدرسي بانتظام وعدالة، وضعف المشاركة الطلابية في البرامج والانشطة المدرسية، وكذلك ضعف برامج تدريب المعلمين على وسائل الضبط اللاعنيفة الموجهة الطالب، والتي يتوقع منها ان تعلم الطلبة التحكم بالذات واحترام المجتمع والتعامل مع الصعاب والتحديات.
ومن ضمن العوامل ايضا، عوامل فردية متعلقة باضطرابات الشخصية، وأخرى تتصل بالعلاقات الاسرية، التي تشمل التفكك الاسري والطلاق وغياب التواصل بين افراد الاسرة، والعوامل الاجتماعية التي تعظم ثقافة تقبل العنف وتربطه بالرجولة والهيبة، علاوة على العوامل المتعلقة بالمجتمع المحلي التي تشمل الفقر والبطالة وغيرهما.
واكد جهشان دور وزارة التربية والتعليم في مواجهة التنمر، من خلال الزام المدارس بوضع وثيقة لخطة عمل قابلة للتنفيذ تهدف للترويج بأن التنمر غير مقبول في مرافق المدرسة كافة، وفي جميع الأوقات.
وشدد على ضرورة وضع تعريف محدد للتنمر على المستوى الوطني، وتحديد انواعه وعواقبه، وضمان توفير الدعم النفسي والاجتماعي لكل طالب يتعرض للتنمر او اشترك فيه او شاهده.