الأربعاء , ديسمبر 25 2024

البدون.. معاناة أردنيين عابرة للحكومات توارثتها الأجيال ‏

استعصى ملف البدون في الأردن على عدة حكومات تعاقبت عليه، اكتفى أصحاب القرار حينها بقطع الوعود بإنهائه، ‏لكن الواقع يقول خلاف ذلك ليظل الأمر عالقا على حاله.

و”البدون” هم أردنيون من أبناء وعشائر تقطن البادية الشمالية غفلوا عن تسجيل أوراقهم الثبوتية، ‏وبالتالي في الحصول على الجنسية الأردنية في الثمانينيات لأن آباءهم وأجدادهم كانوا “بدو رحل” ‏ينتقلون حيث يوجد ماء وكلأ، ويقدر عددهم بحوالي 5 – 7 آلاف إنسان وفق إحصاءات ‏غير رسمية‎.‎

يقول فايز الرويلي إنه ينحدر من عائلة أردنية تسكن في منطقة الرويشد التابعة لمحافظة المفرق، اكتفى والده بعمل ‏شهادة ميلاد جاء في خانة الجنسية أنه “أردني”، واعتمد على ذلك دون دراية منه بوجوب عمل أوراق أخرى ‏وضرورة حصوله على رقم وطني، الأمر الذي اكتشفه بعد إنهائه مرحلة التوجيهي.‏

وعن مشواره الطويل في المعاناة يضيف الرويلي (41 عاما) بعد التوجيهي ذهب لعمل دفتر علم وتم رفض طلبه بحجة ‏أنه غير أردني، وبالتالي عليه إثبات “أردنيته” أولا ليتسنى له القيام بالإجراءات المطلوبة.‏

أبناء البدون بدون أيضا

على الرغم من زواج الرويلي وإنجاب 4 فتيات إلا أنهن لم يحصلن على أرقام وطنية حال والدهم، ما يعني ضمنا ‏تعسر تجاوزهم مرحلة الدراسة الثانوية والذهاب إلى الجامعة والحصول على وظيفة وكل ما يتبع حقهم في الحصول ‏على الجنسية.‏

استغلال في العمل ومعاملة الأجنبي

يقول الرويلي بصفته مكلفا بإثبات الجنسية، إنه لطالما تعرض للاستغلال في الأعمال التي ‏شغلها، والمتمثلة غالبا بالزراعة والحراسة كونه لا يحمل رقما وطنيا وبالتالي لا يحق له الاشتراك بالضمان ولا بأي ‏نوع من أنواع من التأمين الصحي، إذ عليه الدفع مقابل العلاج وكأنه أجنبي.‏

جواز سفر مؤقت

في أواخر عام 2008 فتح باب التقديم مجددا، ولأن اللجنة المشكلة حينها غير مخولة بمنح الجنسية، وفق الرويلي، ‏خلص الأمر إلى إصدار جواز سفر مؤقت لمدة سنة واحدة، برسوم إصدار 200 دينار، وهو ما يفوق قدرتهم على ‏استمرار تجديده حال استطاعوا إصداره أساسا بحسب تعبيره.‏

تبعات كارثية

يعرف القانون الدولي الشخص عديم الجنسية بأنه “لا يعترف به مواطنا من قبل أي دولة بموجب قانونها”، وعلى الرغم من عدم انطباق التعريف على الأردنيين من “البدون” ممن لا يملكون الوثائق لإثبات مواطنتهم، إلا أنهم يواجهون ذات العوائق بالحصول على حقوقهم بالرعاية الصحية، والعمل، وتلقي التعليم الجامعي، والحصول على الخدمات وغيرها من الحقوق‎.‎

دفع اليأس عبدالله (اسم مستعار) إلى عدم إصداره شهادات ميلاد لـ 7 أطفال من أصل 8 أنجبهم مبررا فعلته بتجاوزه الأربعين دون حصوله على الجنسية الأردنية رغم محاولاته المتكررة، فكيف ستمنح لهم؟

ويتساءل أيضا كيف يستوي وجود أفراد يحملون أرقام وطنية ووثائق كاملة تثبت جنسيتهم، في حين لا يملكها غيرهم من ذات العائلة؟!

الأردن ملتزم بتعليم الجميع

حمل شهادة ميلاد دون رقم وطني، أو عدم وجودها بالمطلق، لا يحرم الأطفال الذهاب إلى مدرسة، وتلقي التعليم حال أقرانهم، وفق ما أكده الناطق باسم وزارة التربية والتعليم الدكتور أحمد المساعفة.

الأردن بحسب المساعفة ملتزم بمنح التعليم لجميع الأطفال المتواجدين على أراضيه، إذ يمكن للأطفال الذين يملكون شهادات ميلاد دون رقم وطني التسجيل بناء عليها، أما من لا تتوفر لديهم أصلا يتم توجيههم للمحكمة الشرعية لإحضار وثيقة لتسهيل التحاقهم في المدارس.

وأضاف أن الجميع لهم الحق دون تمييز فئة عن أخرى، ووزارة التربية والتعليم الأردنية، توفر كافة السبل والوسائل لتسجيل الأطفال، مشيرا إلى وجود برامج غير نظامية أيضا تشمل الأردنيين وغير الأردنيين يمكن من خلالها متابعة التعليم حال وجود انقطاع عنه لأي سبب كان.

ماذا يقول القانون المحلي والدولي؟

أكدت المحامية والحقوقية تور الإمام ضرورة تقديم فئة “البدون” بطلب للحصول على الجنسية الأردنية بموجب المادة 3 ،وإذا رفض منحهم إياها، يتوجب عليهم الطعن أمام المحكمة الإدارية.

ينص قانون الجنسية الأردنية في المادة الثالثة على أنه “يعتبر أردني الجنسية جميع أفراد عشائر بدو ‏الشمال الواردة في الفقرة “ي” من المادة 25 من قانون الانتخاب المؤقت (والذين) كانوا يقيمون إقامة ‏فعلية بالأراضي التي ضمت إلى المملكة سنة 1930‏‎″.

وفيما يتعلق بالوصف القانوني لهم في ظل أوضاعهم الحالية بحسب الإمام، البدون ليسوا أردنيين بمعنى آخر “غير معترف بوجودهم أصلا، أما من الناحية الحقوقية هم أردنيين ولكن لا يحملون وثائق تثبت جنسيتهم”.

وأشارت الإمام إلى أخذ الأردن بالجنسية عن طريق الدم، باعتبار من ولد لأردني هو أردني، ولا تمنح على أساس الإقليم من ولد في الأردن فقط، ومن واجب الدولة التحقق من وجودهم وتصويب أوضاعهم.

وترجح الإمام أفضلية التعامل معهم من الناحية الحقوقية (أردنيون لا يحملون وثائق)، مشددة على حقهم بالحصول على جنسيتهم الأردنية بمساعدة الدولة.

وتعتبر الأمم المتحدة الحق في الجنسية من الحقوق الأساسية للإنسان. ونصت على ذلك في المادة 15 ‏من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي جاء فيها أن من حق كل إنسان التمتع بجنسية ما، وأنه لا ‏يجوز حرمان أحد من جنسيته تعسفياً ولا من حقه في تغييرها‎.‎

ويقضي القانون الدولي لحقوق الإنسان بأن حق الدول في أن تقرر من هم رعاياها ليس حقاً مطلقاً، ‏وأنه يجب على الدول، بصفة خاصة، الامتثال لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان فيما يتعلق بمنح ‏الجنسية والتجريد منها‎.‎

الحق في الجنسية معترف به في مجموعة من الصكوك القانونية الدولية، بما فيها الإعلان العالمي ‏لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص ‏بالحقوق المدنية والسياسية‎.

ويعد الحق في الحصول على الجنسية من أهم وأبرز الحقوق، فبدونه يفقد الانسان حقه في العمل والتعليم “ما بعد المدرسة”، والصحة ‏والتأمين وغيرها الكثير، مما يجعله حقا أساسيا ومهما لا يمكن إلغاؤه أو العدول عنه‎.‎

البدون لا وجود لهم في الحياة

لا توجد أرقام دقيقة حول أعداد البدون في الأردن وفق مدير إدارة التوعية والتدريب في المركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتور عيسى المرازيق؛ إذ يعتبر البدون لا وجود لهم في الحياة أصلا، وهو ما أثبتته إحصائية رسمية وحيدة تم الحصول عليها.

ويقدر المركز عدد البدون بـ 6 آلاف شخص، لكن هذه العائلات ممتدة وأعدادهم تواصل الارتفاع على حد تعبيره.

وذكر المرازيق بتوصية المجلس المتمثلة بتفعيل وتسريع عمل اللجنة الحكومية الخاصة المشكّلة لدراسة طلبات التجنيس المقدمة من عدد من الأشخاص المقيمين في البادية الشمالية، وإيجاد حل لهم.

تجدر الإشارة إلى محاولة الاتصال بوزارة الداخلية للحصول على ردهم حول القضية لكن دون استجابة. وبالعودة إلى قاعدة بيانات المجلس الأعلى للسكان تبين أيضا عدم وجود أرقام خاصة بفئة البدون.

وبين جدول من دائرة الإحصاءات العامة نسب المواليد دون سن الخامسة المسجلين في دائرة الأحوال المدنية حسب الخصائص الأساسية للعام 2017- 2018، مع الإشارة إلى عدم التمكن من الحصول على إحصائيات أحدث، تثبت وجود البدون في الأردن.

ويكشف الجدول نسبة الأطفال دون سن الخامسة الذين لديهم شهادة ميلاد ونسبة الذين ليس لديهم شهادة ميلاد ولكن تم تسجيل ميلادهم لدى الأحوال المدنية. وبشكل عام، كان 98% من الأطفال دون سن الخامسة في الأردن مسجلين لدى الأحوال المدنية؛ وهذا يعني أن 88.8% ممن لديهم شهادة ميلاد و 9.2% تم تسجيل ميلادهم ولكن ليس لديهم شهادة ميلاد.

“هذا التقرير أنجز بدعم وإشراف مركز حماية وحرية الصحفيين”

شاهد أيضاً

إسرائيل تعزز تحصيناتها الأمنية على الحدود مع الأردن بإقامة حواجز رملية

قامت إسرائيل بتعزيز تحصيناتها الأمنية على الحدود مع الأردن من خلال إقامة حواجز رملية، وذلك …