السبت , سبتمبر 21 2024

الجرائم الالكترونية.. مناورة مبكرة على تحديات التعددية الحزبية البرلمانية

 المتابع لمجريات الجلسات التشريعية حول قانون الجرائم الالكترونية في مجلس الأمة بشقيه مجلس النواب ومجلس الأعيان شاهد مناورة حية بين القوى السياسية المختلفة في التعبير عن موقفها من القانون.

فقد أظهرت هذه المناورة صورة لخارطة القوى السياسية في إطار تيارات سياسية وفكرية انطلقت منها في تشكيل موقفها ورأيها تجاه بعض مواد القانون ومن تقديرها للمصلحة العليا للدولة والمجتمع.

القانون بمجمله كان موضع اجماع من هذه التيارات لجهة أهميته في ضبط الجرائم الالكترونية بمختلف أشكالها وأنواعها، والاختلاف الرئيسي بينها تركز على ثلاثة مواد أساسية على خلفية تأثيرها على الحريات العامة وعلى وجه التحديد حق التعبير وحرية النقد.

التيار المحافظ الذي ينطوي تحته عدد من الأحزاب السياسية التي لديها عدد كبير من الاعضاء داخل البرلمان تمثلت وجهة نظره العامة بقبول مشروع القانون الوارد من قبل الحكومة مع ابداء بعضها لبعض الملاحظات على هذه المواد.

بالمقابل، برزت أصوات ناقدة من التيارات الأخرى الديمقراطية والاسلامية والمدنية داخل مجلس النواب وخارجه لهذه المواد من منطلق أن الصياغات العامة لنصوصها فضفاضة وقد تشكل قيداً على حق التعبير فضلا عن أنها تضع عملية النقد البناء في منطقة رمادية، بالاضافة الى المبالغة في العقوبات الواردة فيها بالقياس الى طبيعة الجرم، وعدم الأخذ بتفريد العقوبة التي تضمنت الغرامة والسجن معا.

بالمحصلة، أحال المجلس القانون الى اللجنة القانونية التي أجرت تعديلا على بعض مواده خفضت بموجبه مقدار العقوبات على بعض الجرائم وعدلت في بعض النصوص إلا أن القانون حافظ بشكل كبير على بنيته وصيغته خصوصا في المواد المختلف عليها.

ومع إعادة القانون من اللجنة القانونية الى مجلس النواب تمت عملية التصويت عليه وأقراره من المجلس، مبرزاً ثقل التيار المحافظ في مجلس النواب، لينتقل القانون الى الغرفة التشريعية الثانية مجلس الأعيان، مع استمرار التيارات الأخرى الممثلة في البرلمان وغير الممثلة بالاستمرار في المطالبة بضرورة إجراء تعديلات أساسية على هذه المواد.
وبانتقال القانون الى مجلس الاعيان اجرت لجنته القانونية بدورها تعديلا آخر على هذه المواد تركز أهمها بالأخذ بتفريد العقوبة أوجمعها وفق السلطة التقديرية للقضاء.

وقد أسهمت النقاشات التي أدراها رئيس مجلس الأعيان بديمقراطية وحنكة عالية في منح الجميع فرص متساوية لمناقشة مشروع القانون وأبداء آرائهم المختلفة حوله وإبراز دور مجلس الأعيان كمحطة تشريعية مهمة.

كما ابرزت النقاشات وجود تيار ديمقراطي في مجلس يعبر معظم اعضاءه عن انفسهم بوضوح حتى عندما يكون الموقف اعتراضيا على الموقف الرسمي ومن بين هؤلاء حزبيون في قيادة الحزب الديمقراطي الاجتماعي.

هذا الموقف برز بشكل واضح وبملامح مشتركة من خلال مداخلاتهم العامة ومداخلاتهم خلال التصويت على هذه المواد التي تركزت على أهمية أن لا تؤثر هذه المواد على حق التعبير كحق أساسي وملازم لأي تطور ديمقراطي أو تحديث سياسي، وأن تضمن عدم الاعتداء على كرامات وحقوق الأفراد والجماعات، وعلى ضرورة الإستماع الى مؤسسات المجتمع المدني التي قدمت آراء في هذه المواد، وعلى أهمية أن يسهم هذا التشريع في الحفاظ على الاستقرار العام وأن يلبي حاجات المجتمع ويحفظ أمنه وسلمه وتطوره.

لقد تجلت من خلال المناقشات صورة وجود التيارات السياسية والفكرية داخل مجلس الأعيان، من خلال المناورات التشريعية التي قادها كل تيار وفق تقديره للمصلحة العليا للدولة والمجتمع.

*محطات رئيسية

-الجرائم الالكترونية مراس مبكر على تحديات التعددية الحزبية البرلمانية.

– جميع الأحزاب واجهت تحدي أخذ موقف من القانون بسبب أهميته والضجّة التي اثارها.

– الميثاق ( وسط – محافظ ) تجاهل الموضوع ، إرادة ( وسط – ليبرالي ) قدم انتقاداً عاماً، الديمقراطي الاجتماعي ( يسار- وسط) قدم معارضة علنية قوية لبعض المواد، وانضم الى تنسيقية الأحزاب لتعديل القانون.

– عدد وازن الأحزاب بقيت خارج المشهد دلالة مبكرة على فراغها السياسي.

– على مستوى مجلس النواب، نواب الإسلاميين شكلوا المعارضة الرئيسية لمواد القانون، نواب الميثاق دعموا القانون دون أن يظهر أسم الحزب في الموضوع، ونواب إرادة حاولوا إظهار موقف انتقادي معتدل، فعطل رئيس المجلس على مداخلة العتوم.

– المفاجأة الأبرز جاءت من الأعيان حيث برزت ولأول مرة تعددية سياسية واضحة وخطابا معارضا علنيا لقانون الجرائم الالكترونية.

– من حيث التعددية الحزبية التزم أعيان الحزب الديمقراطي الاجتماعي ( الماضي والنمري وحدادين) بموقف حزبهم أما المعارضين غير الحزبيين فلديهم خلفية سياسية معروفة يسارية أو قومية أو حراكية.

– شهدت مجالس أعيان سابقة تعيين أعضاء من خلفيات سياسية مختلفة دون أن يترك ذلك التعيين أثراً بعكس الأثر المختلف والواضح هذه المرة.

– يبدو أن التفات جلالة الملك يساراً هذه المرة لم تكن صدفة أو لاعتبارات شخصية أو مناطقية بل سياسية بامتياز وخصوصا من أعضاء اللجنة الملكية للتحديث السياسي.

– أعضاء مجلس الأعيان من الوسط التقدمي قرروا في هذه المناسبة الاستثنائية توجيه رسالة التحديث السياسي من قلب القلعة المحافظة في جسم الدولة الأردنية.

– المعارضة في الأعيان لم تكن رفع عتب فقد أثرت في مناخ المجلس وقد أدخلت اللجنة القانونية تعديلات مهمة وخصوصا لجهة تخفيض وتفريد العقوبات. والأهم أنها وضعت علامة فارقة باتجاه مسيرة التحديث السياسي فالقلعة المحافظة تفتح شبابيكها لهواء جديد وتشهد في داخلها التعبير الحر عن التعددية السياسية.

– رئيس مجلس الأعيان بديمقراطية وحنكة عالية إدار نقاشات المجلس وفتح آفاق للحوار الحر المسؤول.

شاهد أيضاً

كتلة هوائية رطبة تبدأ تأثيرها اليوم مع احتمالية زخات مطرية صباح الإثنين

تتعرض المملكة اليوم الأحد لكتلة هوائية لطيفة الحرارة ورطبة قادمة من شرق البحر الأبيض المتوسط، …