إستراتيجية على مقاس الوزير
2024-12-28
كتب نضال المجالي – في علم الإدارة هناك عدد كثير من التعريفات التي تمكنت من تحديد ميزات وأنواع وأطر ومفردات مفهوم الإستراتيجية، كما وبذل كثير من المختصين والأكاديميين والمفكرين جهودا لتوضيح وبيان نماذج وأشكال الإستراتيجيات، وكل ذلك كانت نتيجته واحدة؛ وهي الثقة المطلقة بأن النجاح والوصول للأهداف المرجوة يستوجب أدوات وخططا وأركانا وهياكل بشرية وتنظيمية، تعمل معا في اتجاه محدد الأهداف مرتبط بالزمن قصير ومتوسط وطويل، يمتاز بالمرونة في التطبيق، يخضع للمستجدات والظروف، يسهل إخضاعه لأدوات القياس، متاح لمراقبة الأداء، مع البقاء في إطار واتجاه ثابت نحو تحقيق الهدف.
وقد صدرت كثير من الدراسات ونشر العديد من الكتب والمرجعيات ونوقشت آلاف الرسائل الفلسفية بدرجات عليا، وكانت جميعها لا تتجاوز ما هو واضح من وصف مشترك في شكل وأهمية الإستراتيجية لصناعة المستقبل بمهنية وصياغة وإطار مكتمل.
وزاريا أردنيا أو مؤسسيا إداريا أردنيا الوضع مختلف! فقد تجاوز في التطبيق كل مختص وباحث وأكاديمي، وحتى أنه تجاوز وعي “آدم سميث” في علم الإدارة، وأحيانا تجاوز المنطق والعقل. فقد استطاع عدد من الوزراء في حكومات مختلفة ان يؤكد بعضهم ان تحقيق الاهداف متاح دون إستراتيجيات، وتمكنوا من “نفض” وزاراتهم التي أهلكتها الإستراتيجيات غير المفعلة والمخزنة والمتراكمة، ونجحوا باتباع سياسة إدارة الموقف والحالة، وما إن بدأوا بتحويلها ووضع منهجية وإستراتيجية قابلة لتحقيق الهدف باستدامة اطول حتى غادروا بتعديل سريع مفاجئ، وبعض الوزراء حاليين وسابقين ارتكنوا إلى ما وضع من اطنان ورق، وأغرق نفسه ووزارته ومراجعيها بتفاصيل وإجراءات عقيمة منسوخة، سعيا لإطالة بقائه في منطقة الراحة، فاستمر طويلا وعاش متمددا متنقلا بين الوزارات او المؤسسات يحمل “عباءة الشيخة” على أكتافه في مهام لم تتجاوز “استقبلَ وودعَ” وكأنه موظف علاقات أو تشريفات، وأما غيرهم من منهجية أخرى فقد أهمل وتراجع عن إستراتيجيات فاعلة تسير ضمن مسارها الصحيح، باعتبارها لا تلبي وعي رغباته وقدراته في تجاوز صدمة توزيره المفاجئة أو عدم اختصاصه، فضاقت مقاسات الإستراتيجية وفق مقاس جلسته، وقل كلامه وتراجع قراره خوفا وتمنعا وتجنباً لوقوع في خطأ يكشف ضعفه أو يغضب محيطه، وبعض الوزراء والمديرين في مواقع عليا متقدمة انقلب على إستراتيجيات من سبقه، تجاوبا مع رغبات مديرين او امناء عامين او موظفين كبار كانت إستراتيجيات وزرائهم السابقين وهمة عطاء من غادروهم مرهقة لعقولهم ومزعزعة لمناصبهم وامتيازاتهم، فأرجعوا حياة عملهم لروتين وبيروقراطية تعطل الهدف ومستقبل وزاراتهم والمواطنين، فأصبحنا وفق كل ما سبق نعيش القلق والتموضع والترقب عند الإعلان عن أي تعديل وزاري أو تغيير حكومي، ونترقب القبول والرفض لمستقبل أي إستراتيجية ونجاحها بمدى توافقها حسب مقاس الوزير او المسؤول القادم وكأنها “ثوب عيرة” وليس سياسة عمل مستمرة.
وبين علم الإدارة وعلم الوزراء سابقين وحاليين جدل في عقلي لا ينتهي، أساسه عدم القدرة والجمع بين النجاح المنظم المستند إلى إستراتيجيات موضوعة وبين مقولة “لكل شيخ طريقة”، فالنجاح المنظم يستند الى رؤية ورسالة واهداف محددة، يقودها فريق عمل متخصص مهني واع، يملك أدوات وركائز ومصادر متنوعة، يرى الزمن المرتبط بالنتيجة أساسا، ينطلق بفضاء فكري واسع دون قيود أمامه، يحاسب نفسه بمؤشرات نجاح وأداء قادرة على قياس الأثر، أما “شيخ وطريقة” فمكانها خزانة ملابسه لا أكثر. ولم يعجبني أكثر من وضوح وقوة تصريح دولة رئيس الوزراء جعفر حسان قبل أيام، والذي يمثل إستراتيجية ملزمة لا تهاون فيها لو وعاها الجميع ممن هم وزراء مكلفون أو مديرون كبار عامون حين قال: “لن نظلم أي موظف، لكن لن نسمح لأي موظف أن يظلم الوطن وإمكانياتنا في تحقيق رؤية التحديث الشامل”. وأنصح كل مكلف بمصالح الوطن والمواطنين وزيرا أو مسؤولا في أي موقع أن يعلموا أن جميعهم موظفون بدءا من رتبة رئيس حكومة أو وزير أو مسؤول في أي موقع ليبدأ بالعمل وفقها، فأعلى إستراتيجية منتجة وضامنة لنجاح المستقبل هي “رفع الظلم” عن المواطن وعن مؤسسات الوطن بالعدالة بمفهومها المطلق لا المجزوء، وعندها ستكون كل الطرق أسرع وأيسر لتحقيق رؤية التحديث الشامل الاقتصادي والإداري والسياسي، وغير ذلك سنعود للبحث عن “إستراتيجية على قد مقاس الوزير والمسؤول” تعيدنا لأول السطر.