22 عاما على استشهاد الفلسطيني “محمد الدرة”
2022-09-30
رغم مرور 22 عاما على مشهد احتماء الطفل الشهيد محمد الدرة خلف والده من رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه لا يزال حاضرًا في عقول وأذهان الفلسطينيين والشعوب العربية وأحرار العالم كأيقونة ورمز للانتفاضة الثانية “انتفاضة الأقصى”.
وكان العالم أجمع شاهدًا على جريمة قتل جنود الاحتلال للطفل الدرة (12 عامًا) على الهواء المباشرة عام 2000، إلا أن ذلك لم يمنع الاحتلال من مواصلة جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال منهم، فاستشهد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم 2194 طفلًا، بحسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.
ولد محمد الدرة في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1988، ودرس حتى الصف الخامس الابتدائي وعاش في كنف أسرة بسيطة لاجئة من مدينة الرملة، والده يعمل نجارًا ووالدته ربة منزل، لاحقًا بعد استشهاده رزقت عائلته بطفل أطلقت عليه اسم محمد تيمنًا بشقيقه.
واستشهد الدرة بعد يومين من اندلاع الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر/أيلول 2000 بعد اقتحام زعيم حزب الليكود المتطرف أرئيل شارون باحة المسجد الأقصى برفقة حراسه.
واستمرت الانتفاضة حتى بداية عام 2005، وسقط خلالها أكثر من 4400 شهيد ونحو 50 ألف مصاب، بينما قُتل 1100 إسرائيلي بينهم 300 جندي وجرح نحو 4500 آخرين.
ووقعت انتفاضة الأقصى بعد أسبوعين من مفاوضات في كامب ديفيد لم تتوصل إلى حل سلمي للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتميزت الانتفاضة الثانية مقارنة بالأولى التي اندلعت عام 1987، بكثرة المواجهات وتصاعد وتيرة الأعمال العسكرية بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاحتلال.
“مات الولد”
خرج جمال الدرة، صباح 30 سبتمبر 2000، من منزله في مخيم البريج بقطاع غزة مع طفله محمد إلى مزاد للسيارات حتى يقتني واحدة، وفجأة وجد نفسه محاصرًا ومستهدفًا بنيران جنود الاحتلال الإسرائيلي في شارع صلاح الدين.
تمكن جمال من الاختباء خلف برميل أسمنتي وأسند صغيره محمد خلفه وكان يصرخ على جنود الاحتلال لوقف إطلاق النار إلا أن صرخاته لم تجد صدى.
طلقة، طلقتان، عشرة ثم عشرين.. رصاصات طالت كل ما حولهما ووصلت إلى الجسد والأقدام والأيدي حتى الحوض، واخترقت بطن محمد الذي صرخ والده: “مات الولد.. مات الولد.”
واستشهد محمد وأصيب والده بجروح في مشهد هز العالم ووثق بالفيديو لمدة 63 ثانية بعدسة مصور قناة فرانس2 طلال أبو رحمة، الذي قال في شهادة خطية له بعد أيام من الواقعة أن المتظاهرين الفلسطينيين تجمعوا من مختلف الأنحاء في تمام السابعة من صباح يوم 30 سبتمبر وألقوا الحجارة وقنابل المولوتوف فأطلق الجيش الإسرائيلي الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
59 ثانية هزت ضمير العالم
وذكر أبو رحمة أنه قد صور 27 دقيقة من الأحداث التي استمرت 25 دقيقة وتركزت حوالي 64 ثانية من اللقطات على جمال الدرة وابنه محمد، وتم تحرير الشريط للبث لتصل مدته إلى 59 ثانية تعرض مشهد الدرة، ثم أضاف شارل إندرلان رئيس القناة تعليقًا صوتيًا.
وكان هناك العديد من مصوري الوكالات، ولكن عدسة أبو رحمة التقطت وحدها اللحظة الحاسمة التي وقعت فيها الحادثة.
وبحسب أبو رحمة، ظل محمد ينزف لمدة 17 دقيقة على الأقل قبل أن تصل سيارة الإسعاف وتحمله، رغم عدم رفع أي فيلم لهذا المشهد.
وصف ضابط الإسعاف علي خليل مشهد استشهاد الطفل قائلًا “كمية الرصاص التي أطلقها جيش الاحتلال كانت كبيرة جدًا ولم تفلح محاولات الوصول إلى محمد ووالده”.
وتابع “رغم التحذيرات بخطورة المجازفة، بقينا أنا وزميلي الشهيد بسام البلبيسي داخل سيارة الإسعاف نحاول البحث عن طريق آخر، لكن فجأة وضع بسام يده على قلبه وقال: علي أنا أصبت.. اسعفني، ثم أرخى رأسه إلى الخلف وهو ينزف، وارتقى شهيدا.”
“درة” فلسطين
حاول الاحتلال وجهات يمينية متطرفة التنصل من الجريمة، إلا أن الصحفي أندرلان أورد في كتابه (موت طفل) اعتراف قائد العمليات في الجيش الإسرائيلي جيورا عيلاد الذي صرح لهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2000 بأن “الطلقات جاءت على ما يبدو من الجنود الإسرائيليين”.
قصة محمد تصدرت الصحف والمواقع العالمية بعد توثيق الحادثة، ولم تكن الأخيرة، ففي العام نفسه استشهد 94 طفلًا حسب الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، والعام الذي تلاه استشهد 98 طفلًا.
وفي عام 2002 اسشهد 192 طفلًا، و130 شهيدًا في 2003، و162 شهيدًا في عام 2004، ومنذ عام 2000 إلى اليوم استشهد 2194 طفلًا غالبيتهم من قطاع غزة، ولا يزال يتواصل استهداف جيش الاحتلال لأطفال فلسطين.